اقتصاد

منصة رقمية جديدة بين إفريقيا وأوروبا: كابل بحري مغربي-إسباني يغير خريطة الاتصالات

يشهد أرخبيل جزر الكناري الإسباني تحولًا رقميًا استراتيجيًا غير مسبوق مع اقتراب انطلاق مشروع كابل بحري للألياف الضوئية يربط الجزر الشرقية مباشرةً بمدينة طرفاية المغربية.
ويُتوقع أن يشكل هذا المشروع نقلة نوعية في بنية الاتصالات الإقليمية، معززًا موقع الكناري كمحور حيوي يربط بين أوروبا وإفريقيا، في سياق دولي يتجه نحو تعزيز السيادة التكنولوجية والأمن السيبراني.


🔹 ربط مباشر بين القارتين عبر المغرب

المشروع الذي تشرف عليه شركة Canalink الإسبانية المتخصصة في تشغيل الكوابل البحرية، يأتي ليربط جزر الكناري مباشرة بالمغرب عبر كابل بحري بطول يقارب 100 كيلومتر، وباستثمار إجمالي يبلغ 13.5 مليون يورو، منها 7.5 ملايين ممولة من الاتحاد الأوروبي.
وسيتيح هذا الربط المباشر لأول مرة تجاوز الاعتماد الكامل على شبكات أوروبا القارية، مما يمنح الأرخبيل استقلالية أكبر في تدفق البيانات، وقدرة على ضمان استمرارية الاتصال في حالات الطوارئ أو الأزمات الجيوسياسية.

بحسب تصريحات خوانخو مارتينيز، مستشار الابتكار في مجلس جزيرة تينيريفي، فإن المشروع يهدف إلى “كسر احتكار الاتصالات في الأرخبيل” وتحويل الكناري إلى منطقة رقمية متكاملة قادرة على المنافسة عالمياً في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية، والاقتصاد الرقمي، وخدمات البيانات.


🔹 بعد استراتيجي: المغرب بوابة إفريقيا الرقمية

اختيار طرفاية كنقطة ربط أساسية لم يكن اعتباطياً. فالمدينة المغربية الواقعة على الواجهة الأطلسية تشكل جسرًا طبيعياً بين أوروبا وإفريقيا، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على بعد أقل من 100 كيلومتر من الأرخبيل.
ويمثل هذا المشروع امتداداً لتوجه المغرب نحو تعزيز دوره كمحور إقليمي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث يشهد منذ سنوات استثمارات متزايدة في البنى التحتية الرقمية ومراكز البيانات، ضمن رؤية استراتيجية لجعل المملكة “بوابة رقمية لإفريقيا”.

ويأتي الربط البحري ليعزز هذا التوجه من خلال خلق تدفق متبادل للبيانات والخدمات الرقمية بين شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، والحوسبة السحابية، وخدمات الذكاء الاصطناعي.


🔹 مرونة الشبكة والأمن المعلوماتي

من أبرز نقاط قوة المشروع الجديد ضمان الاستمرارية والنسخ الاحتياطي للشبكة.
ففي حال حدوث انقطاع كهربائي أو خلل في أحد المسارات، يمكن تحويل حركة البيانات عبر المسار البديل فوراً، وهو ما يمنح الكناري والمغرب مستوىً عالياً من المرونة السيبرانية.
وأكد مارتينيز أن شبكة Canalink أثبتت سابقاً قدرتها على الحفاظ على الخدمة خلال انقطاع واسع في إسبانيا، ما يعكس متانة بنيتها التحتية وتعدد مساراتها البحرية.


🔹 نحو بيئة رقمية جاذبة للاستثمار

إلى جانب البعد التقني، يُنتظر أن يسهم الكابل الجديد في جذب استثمارات رقمية كبرى إلى جزر الكناري، خاصة في مجالات مراكز البيانات والاتصالات الفضائية والخدمات السحابية، ما يجعل الأرخبيل منصة مثالية للشركات الدولية التي تسعى إلى التوسع في القارة الإفريقية عبر البوابة المغربية.

وفي هذا السياق، يجري مجلس تينيريفي مشاورات مع شركاء محتملين في المغرب لتطوير مشاريع رقمية مشتركة تستفيد من هذا الربط، سواء في مجالات التعليم عن بعد، والخدمات البنكية الرقمية، والطاقة الذكية، والأمن السيبراني.


🔹 أبعاد جيوسياسية واقتصادية

يتجاوز المشروع طابعه التقني ليحمل دلالات جيوسياسية مهمة. فبينما تتزايد المنافسة بين القوى العالمية على السيطرة على البنى التحتية الرقمية في إفريقيا، يتيح هذا المشروع حلاً أوروبياً–مغربياً يعزز التكامل الإقليمي دون الارتهان لمراكز بيانات بعيدة.
كما يعكس إدراك الاتحاد الأوروبي لأهمية المغرب كشريك استراتيجي في ضمان الأمن المعلوماتي والطاقة الرقمية غرب القارة الإفريقية.


🔹 نحو فضاء رقمي متوسطي–إفريقي

في ضوء هذه التطورات، يمكن اعتبار “كابل طرفاية–الكناري” نواة لفضاء رقمي جديد يربط بين الضفتين، ويجعل من غرب البحر الأبيض المتوسط أحد الممرات الحيوية لتدفقات البيانات العالمية.
ويُنتظر أن يشكل المشروع نموذجاً يُحتذى به في مشاريع الربط البحري المستقبلية، سواء بين المغرب وإسبانيا أو عبر الربط الثلاثي مع موريتانيا والبرتغال، مما يفتح آفاقاً واعدة للتعاون جنوب–شمال في مجال التحول الرقمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى